الأهواز – منوعات / يصادف يوم 10 كانون الثاني/يناير الذكرى السنوية لاستشهاد السياسي الكبير ميرزا محمد تقي خان فراهاني المعروف بـ” أميركبير” رئيس الوزراء في عصر ناصر الدين شاه القاجاري وكان امير كبير معروفا بالتفاني في خدمة البلاد وبالحزم في مكافحة الفساد الحکومي.

ولد ميرزا محمد تقي خان فراهاني المعروف بـ” أميركبير” في قرية هزاوة قرب مدينة أراك عام 1807م، لأسرة صغيرة تنتمي إلى الطبقة الدنيا من المجتمع، كان أبوه محمد قربان فراهاني يعمل في مهنة الطهي لدى أحد وزراء حكومة الشاه فتح علي القاجاري، وكان ذلك سبباً في اقتراب الابن منذ الصغر من الأسرة الحاكمة في البلاد.

اتسم أميركبير منذ صغره بالذكاء والفطنة، وهو ما لفت انتباه رجالات الدولة المقربين من ولي العهد عباس ميرزا ابن فتح علي شاه، وارتبط أميركبير بأسرة القاجار وولي عهده عباس ميرزا وبات محل ثقة العائلة المالكة من خلال الوزير عيسى فراهاني.

حين توفي محمد شاه القاجاري، كان ولي عهده ناصر الدين شاه في تبريز برفقة مساعده ووزيره المقرب أميركبير، وبادر هذا الأخير بصفته المدبر لشؤون ولي العهد بترتيب طريقة الانتقال إلى طهران لأداء مراسم التنصيب، ونسق مع الملكة “مهد عليا” زوجة محمد شاه و أم ناصر الدين التي كانت في طهران، واقترض مبلغا من المال من أحد تجار تبريز للقيام بهذه المهمة، وسعى جاهداً لنقل ولي العهد إلى طهران بما يتناسب والحفاظ على هيبة الملك.

ما إن وصل الشاه الجديد البالغ من العمر16 عاما إلى العرش، وثبت نفسه في منصبه، حتى عين مستشاره المخلص أميركبير رئيساً للوزراء، وأصدر منشورا جاء فيه ” لقد سلمناكم أمور إيران كافة، وسنعتبركم مسؤولين عن كل شيء، عيناكم اليوم الشخص الأول في إيران وكلنا ثقة في عدلكم وحسن سلوككم مع الشعب، لا نثق بأحد كما نثق بكم ولهذا قمنا بتعينكم في هذا المنصب”.

وأصبح أميركبير الرجل الثاني في البلاد بعد الشاه، ونال صلاحيات واسعة كان يحلم بها لتحقيق أهدافه وأفكاره، وبعد عام من وصوله إلى رئاسة الوزراء تزوج بأخت الشاه الجديد “عزت الدولة”، وبات أكثر نفوذا في الدولة.

ظل في منصبه لثلاث سنوات وثلاثة أشهر، قاد خلالها حملة من الإصلاحات في كافة القطاعات الحيوية في البلاد كالجيش والتعليم والحكم والدين، بالإضافة إلى الاقتصاد والسياسة وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي.

قام أميركبير في أولى خطواته الإصلاحية بعزل عدد كبير من حكام الولايات، وعمل على تقليص نفوذ الأجانب في الشؤون الداخلية الإيرانية، ولكي يحد من نفوذ البريطانيين والروس توجه نحو أطراف دولية أخرى كالنمسا والولايات المتحدة.

يقول السفير البريطاني لدى طهران في رسالة وجهها إلى وزير خارجية بلاده آنذاك “توجهات أميركبير ضد الروس، لكن ذلك لا يعني أنه من المؤيدين لنا، هدفه الرئيسي تقليص نفوذ الروس والبريطانيين في إيران والعمل على تنفير الناس منا ومن الروس معا”.

قام كذلك بإجراء إصلاحات واسعة في الشؤون الدينية من خلال اتخاذه عدداً من القرارات أبرزها إلغاء التطبير المنتشر في مراسم العزاء، وحل وزارة “دار الشرع” التي كانت تمارس نوعاً من الاضطهاد على غير المسلمين، وأعطى الأقليات الدينية مزيدا من الحقوق والامتيازات.

عسكريا، أنشأ أميركبير صندوقاً لتأمين رواتب العسكريين لكي يصبح العمل العسكري مهنة مستقلة، ثم سن قانونا للتجنيد وحدد الرتب والدرجات العسكرية وأصدر هذه القوانين كتبياً تحت عنوان ” النظام الناصري” نسبة إلى ناصر الدين شاه، كما عمل على إنشاء مؤسسات ومراكز لصناعة الأسلحة ووحد ملابس العسكريين.

أما في الجانب الاقتصادي، فكان أميركبير يؤمن بفكرة الانفتاح على العالم الخارجي بالتزامن مع تنمية القطاعات الداخلية للاقتصاد، فعمل على بناء وتوسيع أسواق طهران وتبريز، واهتم بتحديث شبكة الطرق، وفرض ضرائب على الواردات، ما جعل تجار الداخل يصدرون البضائع أكثر من استيرادها، الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة الصادرات على الواردات في عهده.

في المجال الثقافي، أسس عام 1851 “دار الفنون” وهي مؤسسة تعليمية تعد بمثابة أول جامعة إيرانية بالمفهوم الحديث، وكانت تدرس العلوم الجديدة وتستقطب عددا كبيرا من العلماء الغربيين، لاسيما من النمسا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وأدت هذه المؤسسة دورا فاعلا في تثقيف شرائح من المجتمع الإيراني وعلى رأسهم عدد من الأمراء وأفراد الأسرة القاجارية، كما قام أميركبير بإطلاق ثاني صحيفة باللغة الفارسية في العصر الحديث بعد صحيفة ” كاغذ أخبار”، فصدر العدد الأول من “وقائع اتفاقية” عام 1951 وكانت تغطي الأخبار الداخلية المتعلقة بالبلاط وقرارات العزل والتعيين، واهتمت بالأحداث المحلية في مدن ومحافظات إيران، وتطرقت في بعض صفحاتها إلى القضايا الخارجية.

ويذكر المؤرخون أن البريطانيين أنفسهم كانوا يسعون للترويج لهذه الفكرة كذلك، للتخلص من الوزير القوي الذي كانوا يرون فيه خطرا يهدد نفوذهم في إيران، وبالفعل انتهت كل هذه المؤامرات بإصدار الشاه قرارا بقتله، ونفذ بعد بضعة أيام من قرار عزله.

وعندما سئل عن كيفية تطهير البلاد من السرقة خلال فترة حكومته القصيرة نسبيا أجاب بها الوزير “أميركبير”،: “لم أسرقْ ولم أسمح لوزرائي بالسرقة، وبعد أن أدرك هؤلاء أنني لن أتهاون في معاقبتهم إذا ما سرقوا، امتنعوا عن السرقة ومنعوا من هم دونهم من ارتكابها، و هكذا عمت تلك الحالة في عموم البلاد، لو سرقت أنا لوجدتَ الجميع يسرقون، ولأصبح البلد ساحةً للسرقة والاحتيال، وعندئذ لن تجد من يدين عمل السارقين وسترى الناس حائرين لا يدرون ما يفعلون”.

دفن أميركبير في مقبرة “بشت مشهد” في كاشان، وبعد فترة وجيزة تم نقل جثمانه إلى كربلاء برغبة من زوجته عزت الدولة، شقيقة ناصر الدين شاه القاجاري.

بدون تعلیق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *