الأهواز – مقال / لا شك في أنَّ زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الحالية لدول أميركا الجنوبية، فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، تشكل تعزيزاً لمسار تعاون إيران مع دول أميركا اللاتينية ومواجهة العقوبات الأميركية أحادية الجانب.
هذا المسار قرّب البعيد جغرافياً، وتطوّر بشكل متسارع منذ بداية الألفية الجديدة، مع ظهور جيل جديد من القادة البوليفاريين.
ومع وجود قيادات مثل الراحل هوغو تشافيز وإيفو موراليس ورافاييل كوريا ولولا داسيلفا، بدأ بعض هذه العلاقات يدخل مرحلة التحالفات الاستراتيجية، وخصوصاً خلال سنوات 2005-2013، لتصبح إيران عضواً مراقباً في التحالف البوليفاري لشعوب أميركا اللاتينية، ألبا، عام 2008، في أحد تجليات هذه التحالفات.
واستكمالاً لهذا التقارب، وقعت إيران وفنزويلا أكثر من 270 اتفاقية بين أعوام 2005 و2012، شملت مشاريع تصنيع السيارات وبرامج الطاقة وغيرها.
عام 2019، عقب انقلاب رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو على الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو وإعلان الولايات المتحدة الاعتراف به، جمّدت أميركا أرصدة الحكومة الفنزويلية في الخارج، وفاقمت معاناة الفنزويليين، بالتزامن مع أزمة إنسانية ضربت العالم نتيجة انتشار فيروس كورونا وما تلاه من ركود اقتصادي.
أرسلت إيران 5 ناقلات من المشتقات النفطية إلى كراكاس لتخفيف أزمة الوقود غير المسبوقة، وساعدت في إصلاح عدد من مصافي النفط الفنزويلية التي تضررت جراء العقوبات الأميركية، في رسالة تأكيد لمتانة هذا التحالف، وتحدٍّ لهيمنة الولايات المتحدة التي لم تجرؤ دورياتها في الكاريبي على اعتراض الأسطول بعد التحذيرات الإيرانية.
لم ينقضِ العام الأول من ولاية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حتى وقّع مع نظيره الفنزويلي في طهران خارطة تعاون ثنائي بين الدولتين في حزيران/يونيو 2022. وفي إثر ذلك، سلّم رئيسي، في حفل عبر تقنية الفيديو، ناقلة النفط الفنزويلية الثانية المصنّعة إيرانياً، والتزم بتجديد أكبر مجمع لمصافي النفط في فنزويلا.
أهمية زيارة رئيسي
تأتي أهمية هذه الزيارة كاستكمال لخارطة التعاون الثنائي الموقعة في طهران، والتي تمتد 20 عاماً، لتؤكد بعد سنوات من تطبيق الولايات المتحدة سياسة “العقوبات القصوى” ضد إيران وعدد من الدول اللاتينية فشل سياسة الهيمنة والعقوبات وانتقال هذه الدول من مرحلة بناء القدرات الذاتية إلى مرحلة تصدير التجربة ومشاركة الخبرات مع شركاء الحصار.
يقول أستاذ العلوم السياسية الفنزويلي عمر فاريناس في حديث إلى الميادين نت إن أهمية هذه الزيارة “جيوسياسياً تتجسّد في الرسالة التي ترسلها دول أميركا اللاتينية للولايات المتحدة بأنها لم تعد ملكها، ولم تعد تلك الحديقة الخلفية التي تستطيع أميركا أن تمنعها من إقامة علاقاتها المبنية على مصالحها الخاصة”.
مرحلة جديدة عبّر عنها الرئيس مادورو قائلاً: “نحن في الجانب الصحيح من التاريخ. معاً لن يكون بالإمكان قهرنا. إنّ زيارة رئيسي تمثل علامة فارقة جديدة في العلاقة بإيران، ووقعنا 25 اتفاقية في هذه الزيارة التاريخية”.
ليست علاقات دبلوماسية عادية
من جانبه، أكد الرئيس الإيراني، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفنزويلي، أنّ “العلاقات بين طهران وكراكاس ليست علاقات دبلوماسية عادية، بل علاقات استراتيجية”، مشيراً إلى أنّ البلدين لديهما “خصوم مشتركون ومصالح مشتركة ووجهات نظر مشتركة في مجالات السعي للاستقلال والحرية والعدالة”.
في الاقتصاد
شارك الرئيس الإيراني في حفل استئناف خط إنتاج شركتين إيرانيتين للسيارات والجرارات في فنزويلا، وقال خلال الزيارة: “يمكن زيادة حجم التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار في خطوة أولى، وإلى 20 مليار دولار في خطوة ثانية”، بعدما ارتفعت التبادلات من 600 مليون دولار عام 2021 إلى أكثر من 3 مليارات دولار.
وركّز خلال اجتماعه مع رجال الأعمال الإيرانيين والفنزويليين على أن هناك قدرة كبيرة غير مستغلة لزيادة التبادلات الاقتصادية بين إيران وفنزويلا، وذكر أنَّ الطريق لتحقيق الاتفاقيات البالغة 20 مليار دولار هو نشاط واستثمار جاد بين البلدين.
وشملت مذكرات التعاون قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة، والتأمين، والنقل البحري، والتعليم العالي، والزراعة، والأدوية والطب، والثقافة، وقطاع التعدين، إضافةً إلى قرار إيران نقل التكنولوجيا الدقيقة والنانو من خلال مؤسسات حكومية وخاصة، من أجل بناء نموذج شراكة وتكامل إيراني فنزويلي يمكن أن يعمم في الكثير من الدول التي ترغب في علاقة متكافئة.
وتوفر هذه الاتفاقيات فرصاً أمام الاستثمار المتبادل في مجال الزراعة ومواجهة مشكلات الأمن الغذائي وتبادل السلع.
في النفط
قال وزير النفط الإيراني جواد أوجي: “تم تشغيل جزء كبير من قطاع التكرير في فنزويلا، والذي تم إهماله بسبب العقوبات بمساعدة الخبراء الإيرانيين”.
وستقدم إيران الدعم الفني والهندسي، وكذلك المعدات، للمساعدة في تحديث مجمعات البتروكيماويات وأرصفة التحميل ومحطات النفط في فنزويلا.
وبعد زيارة الرئيس الفنزويلي لطهران عام 2022، عملت شركة النفط الحكومية “بتروليوس دي فنزويلا” والشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط، المملوكة للدولة، على تجديد مركز “باراغوانا” للتكرير، أكبر مجمع تكرير في فنزويلا، في خطوة لإنهاء اعتماد فنزويلا على تكنولوجيا المصافي الأميركية.
وكانت وحدة تابعة للشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط قد وقّعت في وقت سابق عقداً بقيمة 110 مليون يورور مع شركة “بتروليوس دي فنزويلا” في أيّار/مايو الماضي لإصلاح مصفاة “إلباليتو” النفطية التي تبلغ طاقتها الاستيعابية 146 ألف برميل يومياً.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر 2022، تتحرك السفن التجارية الإيرانية على طول الطريق المؤدية إلى فنزويلا لنقل المنتجات البتروكيماوية، وفي مقدمتها مادة “النفتا”، التي تحتاجها فنزويلا في إنتاج النفط الفنزويلي.
قلق في “إسرائيل” وأميركا
أطلق الرئيس الكولومبي السابق إيفان دوكي أثناء زيارته لـ”إسرائيل” في نهاية أيار/مايو الفائت ناقوس الخطر بشأن تمتع إيران بـ”بيئة ودية بشكل متزايد” في أميركا اللاتينية، وهي خشية يتشاركها مع كيان الاحتلال أعضاء من كلا الحزبَين الأميركيين، الديمقراطي والجمهوري، في الولايات المتحدة؛ فبحسب تقارير صحفية أميركية، فإنّ الوجود الإيراني القوي في القارة متركّز بشكل رئيس في الدول الثلاث التي يزورها رئيسي حالياً، والتي ساهمت السياسات الأميركية والعقوبات في توحيدها تحت راية “العداء للعقوبات والإمبريالية”.
بدون تعلیق