الأهواز – مقالات / اختارت منظمة الیونسکو الحادي والعشرين من أبريل لإحياء ذكرى الشاعر الفارسي الكبير سعدي الشيرازي اعترافاً وتقديراً لدوره وقصائده التي عززت أواصر المودة والإخاء بين إيران والعالم.
يعتبر سعدي رمز التواصل بين الحضارات وشاعر الإنسانية لذلك اختارت منظمة الأمم المتحدة أبياتاً من شعره لتضعها على ناصية مبناها في نيويورك استشعاراً بقيمة هذا الشاعر العظيم.
وهو مشرف الدین بن مصلح الدین السعدي، ولد في مدینة شیراز حوالی عام580هـ وتوفى عام691هـ (القرن السابع الهجري) . وسعدي هو الاسم الذي اشتهر به نسبة الی سعد بن زنکي حاکم شیراز. وعاصر محنة غزو المغول لخوارزم فاضطر إلى السفر الى الشام ومصر والعراق ليستقر آخر الأمر في مسقط رأسه شيراز. نظم الشعر بالفارسية والعربية، ومن أشهر آثاره: كلستان سعدي» و«بوستان».
القيم الاخلاقية الرفيعة في اشعار سعدي الشيرازي
تميزت كتاباته بأسلوبها الجزل الواضح وقيم أخلاقية رفيعة، فتخطت سمعته حدود البلدان الناطقة بالفارسية إلى عدد من مناطق وأقاليم العالم الإسلامي، وبلغت الغرب أيضاً، حيث صنف كأحد أبرز الشعراء القروسطيين الكلاسيكيين.
وديوان بوستان هو أول منظوماته الهامة والمشهورة ويشتمل على قصص شعري غاية في الإبداع، وهو في هذا الديوان شاعر إنساني ومعلم اخلاقي، وبعد سنة من إتمامه، ألّف ديوانه الآخر “كلستان” (روضة الورد) وهو أجود ما كتب في النثر الفارسي، وواحدا من أشهر الأعمال في الأدب الفارسي ولا يزال صداه يتردد منذ قرون عدة.
وكتب سعدي في واحدة من أكثر قصائده انتشارا، بل وربما الأكثر انتشارا على الإطلاق بين متحدثي الفارسية، يقول:
“آدميون نحن ولنفس الأصل ننــــتمي فكيف نهنأ بالعيش والغير يألمُ
ونقل جبرائيل بن يوسف المخلّع كلستان إلى العربية، وطبعت الترجمة بعنوان «كتاب ترجمة الجلستان الفارسي العبّاره، المشير إلى محاسن الآداب بألطف إشاره»، وطبعت في مطبعة بولاق سنة 1236 هـ.كما نقل كلستان الشاعر محمد الفراتي بعنوان «روضة الورد» وصدرت عن دار طلاس (دمشق). كما نقلها الهندي سجاد حسين. أما «بوستان»، فقد نقله محمد موسى هنداوي بعنوان «سعدي الشيرازي شاعر الانسانية»، (القاهرة، 1951 م) مع مقدمة ودراسة مطولة عن حياة الشيرازي وآثاره ونقله أيضا المصري محمد خليفة التونسي.
كما ترجم كلستان إلى الهنديه عدة مرات. وأما في اللغة التركية، فقد دخلت آثاره مبكرا، حيث ترجم التفتازاني (ت. 792 هـ) بوستان إلى التركية، وبقيت تأثير وأصداء شعر سعدي إلى فترة الأدب الحديث في تركية.
وكان سعدي ايضا مفكرا عمليا وواقعيا. وكتب سعدي في “روضة الورد” يقول: “إن كذبا يولد مصالحة خير من صدق يولد المتاعب”. وحذر أيضا من: “أن تنقل معلومات للأمير عن خيانة، إلا لو كنت متأكدا أنه سيقبلها، وإلا ستكون قد جلبت على نفسك الهلاك”.
ويحمل كل من كتابيه “روضة الورد” و”بوستان” الكثير من الأبيات التي تدل على صعوبة العصر الذي عاش فيه سعدي، كما يحويان الكثير من الحكم والمواعظ.
القصيدة الرائية
ومن أطول قصائدالشاعر الشهیر سعدي الشيرازي هي القصيدة الرائية على الإطلاق، فقد بلغت اثنين و تسعين بيتاٌ.
حبست بجفني المدامع لا تجري فلما طغى الماء استطال على السكر
نسيم صبا بغداد بعد خرابها تمنيت لو كانت تمر على قبري
لان هلاك النفس عند أولى النهى أحب له من عيش منقبض الصدر
زجرت طبيباً جس نبضي مداوياٌ اليك، فما شكواي من مرض تبري
لزمت اصطباراً حيث كنت مفارقاً و هذا فراق لايعالج بالصبر
تسائلني عما يجري يوم حصرهم و ذلك مما ليس يدخل في الحصر
أديرت كوؤس الموت حتي كأنه رؤس الأسارى ترجحن من السكر
لقد ثكلت ام القرى و لكعبة مدامع في الميزاب تسكب في الحجر
نوائب دهر ليتني مت قبلها و لم ارعدوان السفيه على الحبر
محابر تبكي بعدهم بسوادها و بعض قلوب الناس احلك من حبر
لحى الله من يسدي إليه بنعمة وعند هجوم الناس يألف بالغدر
مررت بصم الراسيات اجوبها كخنساء من فرط البكاء على صخر
أيا ناصحي بالصبر دعني و زفرتي أموضع صبر و الكبود على الجمر؟
تهدم شخصي من مداومة البكا ويندم الجرف الدوارس بالمخر
وقفت بآبادان ارقب دجلة كمثل دم قان يسيل إلى البحر
وفائض دمعي في مصيبة واسط يزيد على مد البحيرة و الجزر
يصور الشاعر في هذه القصيدة مدى حزنه وأسفه على ما حاق بالخلافة الإسلامية، مما جعله يتمنى الموت لنفسه، صور ما حلّ بالبلاد من نار الفتنة.
و هنا نلاحظ تفاعل العلاقات الأدبية بين الثقافتين العربية و الفارسية، و هذا الصدق الفني في أبيات هذه القصيدة جعل هذه المشاعر التي احتوتها هذه القصيدة و غيرها من قصائده ، تنفذ من الأعماق إلى الأعماق و يجتاحك شعور غريب و احساس غير عادي ممتزج فيه الحزن بالشجن و المتعة بالألم.
شخصيات مستلهمة من اشعار سعدي
وأفاض سعدي الحديث في كتاب “بوستان ” عن الرضا والامتنان والإحسان والتواضع، بينما يتضمن “روضة الورد” قصصا عن مواعظ، والخبرة والتجارب والرضا، بالإضافة إلى حكم وأقوال مأثورة أخرى.
وكان سعدي من أوائل الشعراء الفرس الذين تصل شهرتهم إلى أوروبا، وترك أثرا واضحا في كتابات أدباء عصر التنوير والعصر الرومانسي في فرنسا وخارجها، ومنهم فولتير ودنيس ديدرو، ويوهان غوته وفيكتور هوغو، الذي اقتبس بعض فقرات من “روضة الورد” في ديوانه “الشرقيات”.
وكان تأثير سعدي واضحا في رواية “زديغ” لفولتير. ويقول دكتور مظفر بخراد في كتابه “حظوظ سعدي الأدبية في فرنسا”، “إن شخصية ملك سرنديب ووزيره والمجتمع المثالي كلها مستلهمه من أعمال سعدي”.
ويرى أن فولتير وجد في سعدي مرشدا حقيقيا في الفلسفة، إلى درجة أن “عدوه اللدود إيلي فريرون، كان يستخدم اسم سعدي للإشارة إلى فولتير في نقده اللاذع لأعماله”.
وكتب الشاعر رالف والدو إيمرسون في الولايات المتحدة، قصيدة ثناء في سعدي، وأطلق عليه اسم “باعث البهجة في نفوس الرجال”، وعلق على الجاذبية العالمية لحكمه التي تدعو للخير والإحسان باللهجة الفارسية، قائلا: “إن سعدي يتحدث بلسان جميع الأمم، وكشأن، هومر وشكسبير وثيربانتس وميشيل دي مونتين، ومونتينيو، فإن كتاباته تصلح لجميع العصور”.
وتوفى الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين سعدي الشيرازي عام691هـ (القرن السابع الهجري) و یقع مرقده على مسافة ٤ كيلومترات الى الشمال الشرقي من مدينة شيراز عاصمة محافظة فارس الايرانية وكان مرقد سعدي في البداية تكية للشيخ كان يقضي فيها اواخر عمره حتى مات ودفن فيها ومنذ ۳۰۰ عام.
بدون تعلیق